القيادة في الأوقات الصعبة


مؤسساتنا وحياتنا تمر بأوقات صعبة وفي بعض الأحيان تكون نتيجة لعوامل خارجية عالمية أو محلية مثل الأزمات
الاقتصادية والتي ممكن ان تتمثل في تضخم أو ركود أو الأصعب ما يسمى ركود تضخمي أو بأسباب غير أقتصادية - والتي غالباً يكون لها تأثيرات أقتصادية - مثل الأوبئة كما حدث في العامين التي انتشرت فيها جائحة كورونا، أو بسبب تطور السوق وعدم احتياجه لمنتجاتنا أو خدماتنا أو بسبب الحروب كما حدث في حرب روسيا وأوكرانيا وغير ذلك أسباب عديدة، عموماً الأسباب في حد ذاتها ليست موضوع هذه المقالة ولكن الموضوع الرئيسي هو كيف نتعامل مع هذه الأوقات الصعبة وكيف نقود مركب مؤسساتنا أو حياتنا أثناءها لنوصلها لبر الأمان

 غالباً في الأوقات الصعب نوجه انتباهنا لما نستطيع التحكم فيه مثل ايقاف المبادرات ذات الاستثمارات العالية أو تخفيض النفقات والعمالة والى ذلك من الاجراءات وليس هناك عيب في ذلك الا انه قد يمنعنا هذا التركيز من رؤية أي فرص في وسط الظروف الصعبة التي نمر بها أو يمر بها العالم من حولنا ولذلك مهم جداً أن نذكر أنفسنا كقادة ان الفرص لا تتوقف عن الظهور حتى في الأوقات الصعبة بل الأوقات الصعبة في حد ذاتها قد وجهها الأخر فرصة لحل تقديم حلول لمشاكلها للأخرين في شكل منتجات وخدمات

وحتى نوازن بين الإجراءات العلاجية للأزمة وبين انتهاز فرصها على القادة التركيز على ثلاث مساحات كبرى:
١- خارجياً: كيف نستطيع أن نجد فرص الناتجة عن الأزمة وننتهزها؟
٢- داخلياً: ما هي الإمكانيات المؤسسية التي نحتاج أن نركز عليها ونظمها ونستخدمها في إيجاد فرص جديدة؟
٣- أنفسنا: كقادة ماهي المهارات التي نحتاج أن ننميها حتى نصبح قادة فعالين في الأوقات الصعبة؟

سنركز في الأسطر التالية على المساحات الثلاثة ونقدم بعض الأفكار التي تساعد على القيادة الفعالة في الأوقات الصعبة

خارجيا: أنتبه للآفاق و أبحث عن الفرص وأنتهزها

كما قلنا الفرص لا تتوقف عن الظهور بسبب الأوقات الصعبة، كل ما هنالك اننا لا ننتبه لها، وبطبيعة الأوقات الصعبة انها تقدم فرص في شكل مشكلات تحتاج الى حلول مثل تخفيض النفقات و من يستطيع تقديم حلول في شكل منتجات أو خدمات يستطيع أن يخلق فرص تساعد مؤسسته على تخطي أزماتها، ولذلك على القادة أن يكونوا منتبهين لتغير الأسواق وسلوك المنافسين والمستخدمين والبحث عن فرص في طياتها وعليهم أيضا تشجيع الابداع لتقديم حلول للمشكلات التي يتم رصدها

حى يستطيع القادة ملاحظة التغيرات وايجاد الفرص وتشجيع الابداع عليهم أن يخرجوا من خنادقهم وشحن طاقات التفائل لديهم وتقديمها لمن حولهم خارج وداخل المؤسسة وذلك ليس بالأمر السهل في الأوقات الصعبة ويحتاج وعي كبير بحالتنا المزاجية كقادة وقدرتنا على تشكيلها بشكل يساعدنا ويساعد الأخرين وتأثير ذلك يكون خلق مناخ من الثقة والعقلانية نرى فيه الفرص بشكل أوضح ونستطيع فيه الإبداع وتطوير خدمات ومنتجات يحتاجها عملاءنا ومؤسساتنا لتخطي الأوقات الصعبة

داخلياً: خطر الشلل في الأوقات الصعبة

من لأخطار التي تهدد مؤسساتنا هو التوقف لفهم المتغيرات والذي قد يطول فيؤثر على الوظائف الحيوية لمؤسساتنا وذلك يصيبها بالشلل، فعلينا ان نتأكد ان العجلة لازالت تدور والقرارات يتم اتخاذها على كل المستويات لضمان عدم إضافة خسائر الى الظروف الصعبة، وهنا من المهم أن يلتفت القادة للقدرات الداخلية للمؤسسة وأهمها قدرتها على استكمال العمل و اتخاذ القرارات 

واحد من ردود الأفعال الشائعة للأزمات هو وقف كل المبادرات التي في إطار التنفيذ لتقليل النفقات والعمالة المطلوبة لهذه المبادرات، ولمن من المهم ان نفرق كقادة بين المبادرات المهمة للمستقبل الذي يمتد بعد انتهاء الأوقات الصعبة والمبادرات التي تساعدنا على التغلب علي الأوقات الصعبة وبين المبادرات التي لا تحقق أي من الهدفين السابقين وان لا يكون الوقف مصير كل المبادرات ولكن يتم الوقف أو الترشيد أو حتى التوسع في المبادرات بعد دراسة لفهم تأثيرها على المؤسسة وفرصها لعبور الأزمة والفرصه في استكمال النمو بعد الأزمة

واحد من أهم أسباب الشلل الذي ذكرناه هو عدم ربط المبادرات بأهداف المؤسسة الإستراتيجية ولذلك على القادة الى الانتباه لعدم توقف المؤسسة عن التخطيط الاستراتيجي وتعديل الخطط الاستراتيجية طبقاً للمتغيرات وربط المبادرات والعمليات بالاهداف الاستراتيجية ومتابعة التنفيذ

أنفسنا: تخطي التحديات من خلال قيادة الذات

من المهم إعداد السفينة وتقويتها لتحمل العاصفة، يصاحب الأوقات الصعبة زيادة في الضغوط والتوتر وانخفاض في المعنويات، والقائد الماهر هو من يستطيع التركيز على إدارته لمساعده وطاقته لتهدئة الأخرين ليستطيعوا التركيز على مواجهة المصاعب والتغلب عليها

على القادة في الأوقات الصعبة التركيز على الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة والالتزام بما يطلبون من الأخرين فعله من تركيز واحترافية والتحكم في أعصابهم وعواطفهم والاتساق والثبات الانفعالي، القادة الناجحين يكسبوا من حولهم ثقة في أنفسهم وفي قدرة الفريق على الإبحار في أمواج الأزمات العالية

من المهم أن يتحلى القادة في الأوقات الصعبة بالمرونة في مواجهة المتغيرات الكثيرة السريعة التي نواجهها في الأوقات الصعبة وان يكون ذلك مصاحباً للالتزام والتركيز، قد يبدوا ان المرونة عكس الاتزام والتركيز ولكن هنا الالتزام والتركيز يكون للأهداف الاستراتيجية الكبرى مع الاتزام والتركيز على مراجعتها وتغييرها بشكل منهجي ان لزم الامر والمرونة في سبل التنفيذ بناء على المتغيرات

ان كان تطوير مهارات القيادة مهم في أوقات الرخاء فهو أهم في الأوقات الصعبة، على القادة رصد مساحات التطوير الشخصية ووضع خطط لتطوير لأساليب قيادتهم حتى يتكنوا من مواجهة تحديات الأوقات الصعبة والذي سيصب في مصلحتهم كقادة ومصلحة مؤسساتهم ومن أهم مساحات التطوير في هذه الأوقات أدارة المشاعر وإدارة الضغوط والتركيز والالتزام والمرونة واشاعة روح الأمل الصادق والتواصل.

الخلاصة أن المجهود المطلوب من القادة في الأوقات الصعبة أكثر من المجهود المطلوب في أوقات الرخاء عن طريق التركيز على المتغيرات وانتهاز الفرص ومساعدة الاخرين على التركيز وعدم التوتر والتطوير المستمر

تعليقات